18‏/2‏/2008

مقدمة عامة لحديث مستفيض






كانت الفترة من بداية سنة ١٩٧٤ وحتي بداية سنة ١٩٧٥ - لحظة تاريخية شديدة الأهمية والخطر بالنسبة لمصر وباقي الأمة العربية، لأن تلك الفترة - ما بين اثني عشر إلي خمسة عشر شهراً - انعطفت إلي منحني، وأي منحني علي الطريق - حاداً أو متسعاً - ليس بالضرورة خطأ وليس بالضرورة صواباً، بل إن قياسه يعود باستمرار لحساب وتقدير الدواعي إليه، وبينها تدافع المستجدات وتوالي ردود الأفعال، وتنوع أساليب إدارة الصراع بالمحافظة علي التقدم مع التحسب الواعي للمخاطر والاحتمالات





وفي حساب المستقبل وغاياته، فإن البعض منا ينسون أحياناً أن كل اختيار سياسي - أو غير سياسي - هو بطبيعته «رهان» علي احتمالات لها أسباب، وعلي ممكنات لها تقديرات، لأن هذه جميعاً تطرح أمام أصحابها فرصاً تساوي الإقدام، دون أن تكون لديهم تأكيدات تضمن النتائج।





وليس استخفافاً بالتاريخ استعمال وصف «الرهان» علي الخيارات السياسية وغير السياسية، لأن كل اختيار يتضمن بالقطع درجة - ودرجة كبيرة - من التعامل مع المجهول، بمعني أن أي سياسي يجري تقديراته ويضع خططه بناء علي شواهد - يراها بالبصيرة متاحة - ويستشعر بالحس قدرة شعبه وأمته علي تحمل تكاليف الأمل والعمل في سبيلها - ويتوقع بالحساب أن بلوغها ممكن - كما يعتقد في نفسه بشرعية وأهلية تحمل المسؤولية فيما «راهن» عليه।





وفي استعمال وصف «الرهان» - فإنه لابد من التفرقة بين رهان «القمار» ورهان «السياسة»، لأن الأول حظ، والثاني حساب، لكن الحالتين تعامل مع «مأمول مطلوب» - ينطوي تحقيقه علي مخاطر عالية في حالة الفشل، وتكاليف غالية في حالة النجاح - وتلك من طبائع تحدي الحياة، لأن المستقبل احتمالات وتقديرات، وإذا توقف القرار عن تحمل «مسؤولية الفعل» فقد مات المستقبل لأنه يصبح لحظة راهنة متجمدة إلي الأبد!





والشاهد أن كل يوم من الحياة رهان علي «مأمول مطلوب»، وهو في اللحظة نفسها غير مضمون - وذلك يصدق حتي في العادي في شؤون الحياة - فكل فرد يبدأ يومه، وهو بالفعل - واعياً أو غير واع - داخل في «رهان» علي السلامة - وفي «رهان» علي مهمة يؤديها - وفي «رهان» علي نتائج يروم تحقيقها، حتي يجد نفسه آخر النهار فاعلاً وفائزاً





بل إن بيت كل إنسان في حد ذاته «رهان» فعندما تتفق رغبة رجل وامرأة علي تأسيس حياة مشتركة، فذلك بالتأكيد «رهان»، داعيه ما رآه كل منهما في الآخر فترة التعارف أو فترة الخطوبة - واعتبره بشارة بالرضا والأمل (وذلك «رهان» علي عمر بكامله!)।





وفي الاختيار السياسي، فإن عنصر «الرهان» أكبر، لأن مجاله أوسع، وأهم الأسباب أن العلاقة بين أطراف الرهان والمتأثرين به لا يصل بينها رابط إنساني مباشر، كما هو في أحوال أسرة يسهل عليها أن تتصالح كل يوم قبل النوم، ثم إن قضايا «الرهان» في الشأن العام - خلافاً لشواغل ومشاكل أسرة - مصائر وأقدار شعوب وأمم - ومخاطر حرب وسلام!





وعلي سبيل المثال - وفي التجارب الكبري للشعوب المتقدمة والفاعلة في مسار التاريخ - فإن القرار السياسي وفيه أقدار ومصائر الشعوب والأمم، واحتمالات ومخاطر الحرب والسلام - هو في صميمه «رهان» شديد الصعوبة وبالغ التعقيد، وبالمناسبة فليس صحيحاً أن «رهان» الأقوياء يكون مضموناً إلي درجة تجعل اختياراته محسومة، في حين أن «رهان» الضعفاء يكون مكشوفاً إلي درجة يستحسن معها القبول بـ:«الواقعية» دون «حلم» يلهم - أي بغير «رهان» علي غد أكرم!





وكتاب التاريخ شاهد أمام الجميع علي أن الخيارات الكبري علي مسار الصراع الإنساني ومسؤولياتها سلسلة من الرهانات لكل الأطراف علي تباين أحجامهم!





فإن الحرب رهان - والسلام رهان - والمشروعات الكبري سياسية واقتصادية وأمنية رهانات - يضع فيها كل طرف أرصدته علي «مأمول مطلوب» يبحث عن الحق أو التفوق أو التقدم أو الأمن، وذلك جار من بداية القصة الإنسانية إلي نهايتها، هذا إذا كانت للقصة الإنسانية





وكذلك فقد كانت معركة الأمة العربية سنة ١٩٧٣ رهاناً يطلب تحرير الأرض، وقد حشدت الأمة وراء هذا الطلب كل مواردها الإنسانية والمادية، وتولت مصر قيادة فعل الإرادة، حتي جاءت اللحظة التي أصدر فيها الرئيس «السادات» قراره العظيم ببدء المعركة।





ثم حدث وسط نيران الحرب ودخانها، أن الرئيس «السادات» أقبل مسرعاً علي «رهان» تتسع رقعته عن ساحة ميادين القتال، وظنه يومها أنه «الرهان» علي السلام.



لكن المشكلة الحقيقية أن الرئيس «السادات» بدأ «رهان» السلام قبل أن يتأكد أمامه «رهان» السلاح، وبالتالي فلم تكن لديه الفرصة لتقييم مستوي الأداء العربي غير المسبوق - ثم تستبين أمامه وتطمئنه النتائج الاستراتيجية، لما أمكن تحقيقه في حرب عسكرية محدودة - يمكنها خلق نتائج سياسية غير محدودة।



وبسبب الدخول إلي «رهان علي السلام» قبل الأوان، فقد وقع المحظور، ذلك أنه إذا كان رهان القمار علي مائدتين في الوقت نفسه خطراً جسيماً، فإن رهان الصراع علي ساحتين في اللحظة نفسها، خطر أشد جسامة، لأن «رهان» السلام له مقتضيات، كما أن «رهان» الحرب له مقتضيات مختلفة، بواقع أن احتياجات كل «رهان» منهما تتعارض مع احتياجات «الرهان» الآخر، خصوصاً إذا كان كلاهما معلقاً بموازين، مازالت تتأرجح في لحظة معينة من الصراع، وأولي ضماناتها اليقظة طول الوقت والتركيز!



والحاصل أن رهان «السلاح» له شروطه وأحكامه - ومناخه، كما أن رهان «السلام» له شروطه وأحكامه - ومناخه।



وقد وقع التعارض بين الرهانين واستحكم، حين وجد الرئيس «السادات» نفسه مضطراً - أو متطوعاً - يتعهد في أول رسالة منه إلي «هنري كيسنجر» صباح يوم ٧ أكتوبر «بعد أقل من ٢٤ ساعة علي بدء العمليات العسكرية يوم ٦ أكتوبر» - بأن القوات المصرية «لن توسع جبهة القتال في سيناء، ولن تعمل علي زيادة عمقها»।



كان ذلك التعهد - ربما! - نافعاً لـ«رهان» السلام، لكنه في الوقت نفسه - وأكيداً! - كان ضاراً بـ«رهان» السلاح।



وبالفعل فإن «هنري كيسنجر» استنتج من هذا التناقض بين مقتضيات «رهان الحرب» ومقتضيات «رهان السلام» - تلك اللحظة - عدة فرضيات بني علي أساسها خطته، وخطة إسرائيل فيما بقي من أيام المعركة।وكانت استنتاجات «كيسنجر» منطقية بقدر ما هي مزعجة - وقد سجلها صاحبها في كتابه الأخير بعنوان «الأزمة»، الذي صدر في سبتمبر ٢٠٠٣، حاويا نصوص جميع المحادثات التليفونية التي أجراها «بوصفه وزيراً لخارجية الولايات المتحدة الأمريكية» مع كل الأطراف في الفترة ما بين ٥ أكتوبر ١٩٧٣ «قبل نشوب القتال بيوم واحد) ـ وحتي ٥ نوفمبر (حين بدأ رحلته إلي منطقة الأزمة قاصدا حلها، وبادئا بزيارة المغرب).كانت أهم استنتاجات «كيسنجر» ـ المنطقية والمزعجة في آن واحد ـ وكما كتبها بنفسه علي النحو التالي:



أولا: أن الرئيس «السادات» بنص رسالته السرية (عن طريق «القناة الخلفية» لوكالة المخابرات المركزية في القاهرة) قدم له غداة نشوب المعركة صباح ٧ أكتوبر ١٩٧٣ تعهدا مكتوبا «بأن مستوي القتال لن يزيد علي حجمه الحالي اتساعًا أو عمقًا»، وذلك له معنيان:



ـ المعني الأول: أن العمليات توقفت بعد العبور، ولم تعد هناك نية لتطوير الهجوم علي الجبهة المصرية، بما يتيح لإسرائيل وقتا لاستعادة الزمام بعد مفاجأة عرفت بأمرها قبل وقوعها ـ لكن فرصة توقيتها فاتت، (وكذلك كان في وسع إسرائيل أن تركز مطمئنة علي الجبهة السورية أولا، ثم تعود إلي الجبهة المصرية ثانيا بعد ردع قوات الشمال وردها عن بلوغ بحيرة طبرية ومنها إلي قلب إسرائيل).



ـ والمعني الثاني : أن جبهات القتال العربية التي توحدت بالنار ـ تفرقت بعد يوم واحد من المعركة، لأن القيادة المصرية ـ كما هو ظاهر لها ـ دخلت وحدها في «رهان السلام»، فوق ـ أو تحت ـ مائدة أمريكية ليس عليها الآن ضوء، وليس حولها ـ هذه اللحظة - وهج، أي أنه «رهان سري» بكل ما يتحمله «الرهان السري» من تبعات ـ وذلك شأن أي تحرك في الخفاء أو في العتمة!



ثانيا: أن الرئيس «السادات» كما هو واضح من مدلول رسالته تصرف دون تنسيق مع السوريين، ومن وراء ظهر السوفيت، ومعني ذلك أنه تخلي عن موقعه الأول، وحول أرصدته إلي مائدة ثانية ـ علي لعبة واحدة، ولم يعد يملك غير الاستمرار فيها، لأنه لم يعد يملك غيرها، وإذا حاول خارج ذلك، فقد انكشف رهانه أمام حلفائه العرب وأصدقائه السوفيت ـ ومعني ذلك في تقدير وحساب «كيسنجر» أن الضغط عليه الآن متاح (إلي حد الابتزاز)!



ثالثا: وأن ذلك خلق وضعا يمكن استغلاله في السيطرة علي أزمة الشرق الأوسط، باستعمال الرهان المصري المنفرد فوق ـ أو تحت ـ مائدة أمريكية في تثبيت ميادين القتال دون مخاطر ـ والتصرف عسكريا بحرية علي جبهاتها والوصول بالحرب في نهاياتها إلي نتائج تختلف عن بداياتها ـ وعندها يتأكد انفراد الولايات المتحدة بإدارة الأزمة علي نحو يحقق لها ـ ولكيسنجر وإسرائيل ـ كل المقصود أو معظمه।



ربما يكون من باب استيفاء الصورة في هذا الأمر ـ واتصالا بجدل وقع أخيرا عن حقيقة الاتصالات السرية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية وقت معارك أكتوبر، فقد أضيف لعلم من يهمهم الأمر ما يلي:



1 ـ أن عدد الرسائل التي جري تبادلها بين الرئيس «السادات» و«هنري كيسنجر» عن طريق هذه القناة السرية، في الفترة ما بين ٧ أكتوبر وحتي ٥ نوفمبر ١٩٧٣، وصل إلي أكثر من تسعين رسالة।



٢ ـ أن الرئيس «السادات» بنفسه أملي علي مستشاره للأمن القومي السيد «حافظ إسماعيل» إطار ما يريد إبلاغه لكيسنجر ـ رسالة بعد رسالة ـ سؤالاً وجواباً।



٣ ـ أن الذي قام بصياغة الرسائل بحكم وظيفته، هو الوزير المفوض «أحمد ماهر» (الذي أصبح وزيرا للخارجية فيما بعد)، وكان وقتها مديرا لمكتب السيد «حافظ إسماعيل»، وكان ممثل وكالة المخابرات المركزية «جين ترون» و(زميل له خلفه) يحضر لتسلم الرسائل السرية باليد من مستشار الأمن القومي «حافظ إسماعيل» أو من مدير مكتبه الوزير المفوض «أحمد ماهر»।



4 ـ وقد أضيف أن توقيع «أحمد ماهر» وبخطه كان مقروءًا علي أعلي الركن الأيسر من كل صفحة في الصورة المصرية، من ملف الاتصالات السرية، وقد رأيت هذه الصفحات بنفسي، وتأكدت منها، بل أكثر من ذلك سألت «أحمد ماهر» مباشرة، وكان الرجل أمينا مع نفسه ومسؤولا!



والحقيقة أنني عرفت بسر الاتصالات الخفية أثناء رحلة إلي واشنطن سنة ١٩٧٥، ثم حصلت علي نسخة كاملة منها، وأذعت أولاها ضمن حديث صحفي مع جريدة «الأهالي المصرية» سنة ١٩٨٣، وكانت نصوص ومعاني هذه الرسائل قد صدمتني عندما عرفت أمرها، وفيما بعد فقد نشرت المجموعة الكاملة لها في كتاب «السلاح والسياسة» وكان ذلك قبل أن ينشر «كيسنجر» قصة هذه الاتصالات السرية ونصوصها في كتابه «سنوات القلاقل»، ثم يعيد نشرها مرة ثانية في كتابه الأخير «الأزمة»।



أردت هذا الاستطراد للعلم فقط، ولكي نتعرف جميعا علي موضوع ما نتجادل فيه، ومن ثم يلتزم الجميع بقيمة الحقيقة، لأنها الأرقي باستمرار والأعلي।



٥ ـ وربما أضيف أن داعي الصدمة، حين عرفت بأمر ملف الاتصالات السرية، مرده أن كل شيء كان مفتوحا أمامي، قبل وبعد حرب أكتوبر، فلم يكن هناك سر يخفي علي، ولعلي أقول ـ دون تجاوز ـ إنني كنت موجودا كل الوقت في أجواء صنع قرار الحرب، والشاهد أن ذلك كان مدلول التكليف ـ الكريم ـ من الرئيس «السادات» بأن أتولي كتابة التوجيه الاستراتيجي الذي يصدر عنه ـ رئيسا للدولة ـ إلي الفريق «أحمد إسماعيل» ـ قائدا عاما للقوات المسلحة ـ بتحديد وتفصيل هدف العمليات العسكرية في معركة أكتوبر ١٩٧٣، ووقتها كانت للفريق «أحمد إسماعيل» طلبات في شأن التوجيه الذي يصدر إليه، وكانت حواراته بشأنها كلها معي «وتلك علي أي حال قصة أخري»، وهكذا فقد كان مستغربا أن أفاجأ بموضوع الاتصالات السرية مع إسرائيل، والتفسير المحتمل أن الرئيس «السادات» الذي كان في حالة نشوة مساء ٦ أكتوبر ١٩٧٣ (وله الحق) ـ اعتبر من لحظتها ـ ربما! ـ أنه لم يعد في حاجة إلي حوار أو تشاور مع أحد، وأن شرعيته الجديدة التي صنعها النجاح العسكري للعبور تعطيه هذه الرخصة (وكان ذلك حقه).



وفي النتيجة فقد كان خطر «الرهان» علي مائدتين أو ساحتين في نفس اللحظة، مزدحماً بالمحظورات، مستعصياً علي الحسابات لأنه:



* من ناحية ـ يسلب الرهان العسكري ميزة التركيز علي إدارة إمكانياته بالكامل فيما راهن عليه।



* ومن ناحية أخري ـ فإنه بالرهان السياسي يمنح الطرف الآخر وقتاً يتمكن فيه ـ دون خوف ـ من إعادة تشكيل الحقائق علي الأرض وإعادة ترتيبها قبل أن تبدأ الدبلوماسية في أداء دورها!।



وذلك ما حدث بالفعل من يوم ٧ أكتوبر ١٩٧٣ إلي يوم وقف إطلاق النار (٢١ أكتوبر ١٩٧٣)، حتي إن خط وقف إطلاق النار علي الجبهة المصرية ذاتها جري اجتياحه (يوم ٢٢ أكتوبر ١٩٧٣)، وحين أعلن «المراهن» المصري غضبه علي هذا الخرق الفاضح لقواعد اللعب، كان في مقدور «هنري كيسنجر» أن يقول للرئيس «السادات:«إنه لا لزوم في هذه اللحظة للوقوف بغير فائدة عند خطوط يصعب تحديدها، ومادمنا سائرين إلي فك اشتباك أوسع بين القوات، فإن التمسك بخط ٢٢ أكتوبر والإصرار علي عودة القوات الإسرائيلية إليه ـ تضييع وقت في التفاصيل لا داعي له، خصوصاً أن أحداً لا يستطيع تحديد مواقع ٢٢ أكتوبر بدقة»।وفي نهاية المطاف، فإن الرئيس «السادات»، وبرغم النجاح المستحق له في رهان العبور بالسلاح ـ وجد رهان السياسة يتحول أمامه إلي رهان قمار، والواقع أنه حين تصرف علي أساس أن ٩٩% من أوراق اللعبة في يد الولايات المتحدة ـ فقد كان المعني ـ حتي بالجمع والطرح ـ أن ما تبقي من أوراق اللعبة في يده وفي يد العرب وفي يد بقية العالم ـ لا يزيد علي واحد في المائة، وذلك في حد ذاته، خروج علي قواعد الرهان السياسي، وقيد علي حرية إدارته، قبل أن يتحول المطلوب المأمول فيه، إلي متحقق موجود ـ يؤمن لنفسه ما هو مشروع من أرصدة الفوز!.



وكان الرئيس «السادات» ـ ومع هذا «الرهان» علي أن الولايات المتحدة تملك ٩٩% من الأوراق ـ قد تعهد في أول لقاء له مع «هنري كيسنجر» (وزير خارجية الولايات المتحدة) يوم ٧ نوفمبر ١٩٧٣ ـ بإجراء تغييرات استراتيجية أساسية في السياسة المصرية وتوجهاتها الداخلية والخارجية।


وباقتناع لدي الرئيس «السادات» وقتها (وبنصائح ـ ! ـ من ثلاثة ملوك: السعودية وإيران والمغرب)، ثم بتعهدات في المقابل قدمها (الصديق الجديد!) «هنري كيسنجر» ـ فإن تغييرات واسعة وشاملة راحت تجري في مصر، سياسية واجتماعية واقتصادية، ثم إن نتائج هذه التغييرات راحت تؤثر علي تماسك عناصر المجتمع المصري في الداخل وعلي روابط مصر وراء حدودها، فقد تأكد أن مصر سائرة علي طريق تغيير اجتماعي جذري وعلي طريق صلح منفرد مع إسرائيل،وبالتالي فإن أوضاع مصر الداخلية، وصلاتها مع محيطها الجغرافي والإنساني والثقافي مكشوفة ومعرضة ـ وزاد علي ذلك أن قبول مصر بتعاون استراتيجي مع الولايات المتحدة، يمكن أن يأخذ الجهد المصري إلي صراعات بعيدة وغريبة عن الصراع العربي الإسرائيلي (وذلك وقع عندما وجدت مصر نفسها تائهة في غابات ومستنقعات القرن الأفريقي (الصومال وإثيوبيا)، وفي غرب القارة مشغولة بأنجولا، وفيما بعد ـ منهمكة (مع شركاء لها) في جهاد باسم الإسلام ضد الإلحاد السوفيتي ـ في أفغانستان)।
وفي تلك الأحوال، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، كان الرئيس «السادات» متنبهاً بحسه الأمني إلي أن «الرهان» علي كل ما استجد ـداخل مصر والإقليم ـ سواء بقناعاته أو بتعهداته ـ مخاطرة تحتاج إلي حماية।وفي الواقع فإنه مع بداية سنة ١٩٧٥ كان هاجس الرئيس «السادات» تأمين تحركاته، لأن ذلك شرط «رهانه».
وظلت عجلة هذا «الرهان» المصيري تدور هادئة أحياناً، محمومة في أحيان أخري، حتي حلت لحظة المأساة الحزينة علي المنصة يوم ٦ أكتوبر ١٩٨١
وكان الواقع الدامي علي المنصة دليلاً علي أن الرهان علي الولايات المتحدة ـ وإسرائيل ـ لم ينجح، وأن خسائره فادحة।
وكانت تلك هي أجواء خريف سنة ١٩٨١، وكان ذلك هو المناخ الذي انتقلت فيه المسؤولية إلي «حسني مبارك» في خريف سنة ١٩٨١، وظلت توابع زلازلها محسوسة حتي بداية شتاء ١٩٨٢، حين كتابة هذه المقالات، أو هذه الرسائل المفتوحة إلي الرئيس الجديد: «حسني مبارك»।
__________________
نــُقلت بالتعاون مع أ / هدي عبد الباسط منتديات حزب الكرامة